الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
فمن الحوادث فيها أنـه قبـض علـى حاجـب البـاب أبـي الفتـح ابـن الصيقـل الهاشمي ووكل به في الديوان واحضر الناس وواقفـوه علـى مـا أخـذ منهـم واخـرج منه إلى بيته ورتب مكانه ابو المعالي بن الكيا الهراسي نحو اربعين يوما ثم عزل ورتب ابو القاسم علي بن محمد بن هبة الله بن الصاحب. وفـي هـذا الشهـر: ورد الخبـر أن الغـز التركمـان دخلوا نيسابور ونهبوها وفتكوا بأهلها وفقهائها منهم محمـد بـن يحيـى شيـخ أصحـاب الشافعـي فقتلـوا بهـا نحوًا من ثلاثين ألف نسمة وكان سنجر معهم عليـه اسـم السلطنة وهو معتقل ولقد أراد يومًا أن يركب فلم يجد من يحمل سلاحه فشده على وسطه وكان إذا قدم اليه الطعام اختلس منه شيئَاَ يخبؤه لوقت اخر خوفا من انقطاعه عنه لتقصيرهم به. وفـي رجـب: كانـت الوقعة بين عسكري الخليفة وبين شملة التركماني فهزموه وتبعوه إلى ان خرج إليهـم كميـن فـي مضيـق فانكسروا وأسر وجوههم ثم احسن اليهم وسرحهم واعتذر فقبل عذره وسار إلى خوزستان فملكها وازاح ملكشاه بن محمود بن محمد بن ملكشاه عنها وفي شعبان: هجم ثلاثة نفر من الشراة على الحويزي عامل نهر ملك فقتلوه. وفـي شـوال: وصـل الملـك سليمـان بن محمد بن ملكشاه إلى بغداد ضيفا مستجيرًا بامير المؤمنين وتلقـي بولـد الوزيـر ابـن هبيـرة وكـان علـى رأسـه شمسـة وخمسـة اعلـام سـود ولـم ينـزل احدهما للآخر وقبل عتبة باب النوبي وخـرج اميـر المؤمنيـن حيـن خـروج الحـاج فسـار معهـم إلـى النجـف ودخـل جامـع الكوفة واجتاز في سوقها وعاد إلى بغداد وفي رمضان: منع الوعاظ كلهم.
أحمد بن محمد الحويزي كـان عامـلًا علـى نهـر ملـك فكان يؤذي الناس ويعلق الرجال في السواد ويعذبهم ويستخرج الاموال فـلا يتلبـس بها اظهارًا للزهد فكأنه يجمع بذلك التصنع ان يرقى إلى مرتبة اعلى من هذه وكان كثير التلـاوة للقـرآن كثيـر التسبيـح حتـى انـي اتفقـت فـي خلـوة حمـام وهـو فـي خلـوة أخـرى فقـرأ نحـوًا مـن جزئيـن حتـى فـرغ مـن شأنـه هـذا مـع الظلم الخارج في الحد فهجم عليه ثلاثة نفر من الشراة بمرو بيتـًا مـن نهـر الملـك فضربـوه بالسيـوف فجـيء بـه إلـى بغـداد بعـد ثلـاث وذلـك في شعبان هذه السنة ودفـن بمقبـرة الربـاط مقابـل جامـع المنصوروحفظ قبره حتى لا تنبشه العوام وظهر في قبره عجب وهو أنه خسف بقبره بعد دفنه أذرعًا فظهر بعده من لعنه وسبه ما لا يكون لذمي.الحسن بن أحمد بن محبوب أبو علي القزاز سمـع طـرادًا وابـن النظـر وثابـت بـن بندار وغيرهم قرأت عليه كثيرًا من حديثه وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب. سعيد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن البناء أبو القاسم بن أبي غالب ولد سنة سبع وستين وأربعمائة وقرأت عليه كثيرًا من حديثه عن أبي نصر الزينبي وعاصم وغيرهما وكان خيرًا. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر أبو الفضل البغدادي ولد ليلة السبت الخامس عشر من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة وقرأ على أبي زكريا كثيرًا من اللغة وسمع الحديث من أبي القاسم ابن البسري وأبي طاهر بن أبي الصقر وأبي محمـد التميمي وأبي الخير العاصمي وأبي الغنائم بن أبي عثمان وأبي عبد الله مالك بن أحمد البانياسـي وأبـي الخطـاب ابـن النظـر ومـن دونهـم وأكثـر مـن الشيـوخ المتأخريـن وكان حافظًا ضابطـًا متقنـًا ثقـة لا مغمـز فيـه وهـو الذي تولى تسميعي الحديث فسمعت مسند الامام أحمد بن حنبـل بقراءته وغيره من الكتب الكبار والأجزاء العوالي على الاشياخ وكان يثبت لي ما اسمع وذكره أبو سعد السمعاني في كتابه فقال: كان يحب أن يقع في الناس. قال المصنف: وهذا قبيح من أبي سعد فان صاحب الحديث ما زال يجرح ويعدل فاذا قال قائل: أن هذا وقوع في الناس دل على أنه ليس بمحدث ولا يعرف الجرح من الغيبة وكتاب السمعاني ما سواه إلا ابن ناصر ولا دله على أحوال المشايخ أحد مثل ابن ناصر وقد احتج بكلامـه فـي أكثـر التراجـم فكيـف عـول عليـه فـي الجرح والتعديل ثم طعن فيه ولكن هذا منسوب إلى تعصب ابن السمعاني على أصحاب أحمد ومن طالع في كتبه رأى تعصبه البارد وسوء قصـده لا جـرم لـم يمتـع بمـا سمـع ولا بلـغ مرتبـة الروايـة بل أخذ من قبل ان يبلغ إلى مراده ونعوذ بالله مـن سوء القصد والتعصب توفي شيخنا ابن ناصر ليلة الثلاثاء الثامن عشر من شعبان هذه السنـة وصلـى عليـه قريبـًا مـن جامـع السلطـان ثـم بجامـع المنصور ثم في الحربية ثم دفن بمقبرة باب حـرب تحت السدرة إلى جانب أبي منصور ابن الانباري وحدثني أبو بكر ابن الحصري الفقيه قال: رأيته في المنام فقلت: ما فعل الله بك فقال: غفر لي وقال لي قد غفرت لعشرة من اصحاب الحديث في زمانك لأنك رئيسهم وسيدهم محمد بن علي بن الحسن بن أحمد أبو المظفر الشهرزوري ولـد سنـة تسـع وسبعيـن وأربعمائـة وسمـع أبا عبد الله حسين بن احمد بن طلحة وأبا الفضل بن خيرون وغيرهما وروى الحديث وكانت لـه معرفـة حسنـة بعلـم الفرائـض والحسـاب انفـرد بهـا وكان ثقة من أهل الدين والخير وكان يبيع العطر في دكان عند مسجد شيخنا أبي محمد المقـرىء ويقـرأ عليه هنالك ثم سافر إلى بلاد الموصل لدين ارتكبه فبقي بها مدة ثم رجع عنها إلى بعض ثغور اذربيجان وتوفي بمدينة خلاط في رجب هذه السنة المبارك بن الحسن بن أحمد أبو الكرم الشهرزوري ولد في ربيع الآخر سنة احدى وستين وقرأ القرآن وسمع من التميمي وابن خيرون وطراد وجماعـة. وتوفـي فـي ذي الحجـة مـن هـذه السسنـة ودفـن فـي دكـة بشـر الحافـي إلـى جانـب أبي بكر الخطيب. هارون بن المقتدي عم المقتفي توفي يـوم الإثنيـن ثالـث عشريـن شـوال وصلـى عليـه وحمـل فـي الزبـزب إلـى التـراب وكـان أربـاب الدولـة كلهم قيامًا في السفن إلى الترب وقيل ان الوزير جلس حين جاوز الحر فلما صعدوا ركب الوزير وجده ومشى أرباب الدولة إلى الترب. يحيى بن ابراهيم أبو زكريا بن أبي طاهر الواعظ السلماسي سمع الحديث وقدم إلى بغداد فوعظ بها وكان له القبول التام ثم غاب عنها نحوا من اربعين سنة ثم قدم بعد الأربعين وخمسمائة فطلب ان يفتح له الجامع ليعظ فلـم يجـب إلـى ذلـك فسمعنا علمـه شيئـا مـن الحديـث بقـراءة شيخنـا ابـن ناصـر ثـم رحـل عـن بغـداد فتوفـي فـي سلمـاس في هذه السنة. فمن الحوادث فيها أن سليمان شاه بن محمد استدعي يوم الجمعة خامس عشر المحرم إلى باب الحجرة فجاء في الماء وخرج أهل بغداد للفرجة فلما حضر أحلف على النصح والموافقة ولزوم الطاعة وأنه لا يتعرض للعراق بحال ووعده بالخطبة. فلما كان يوم الجمعة تاسع عشر المحرم خطب له بعد سنجر ولقب بألقاب ابيه ونثر على الخطيب الدراهم والدنانيـر فلمـا كـان يـوم السبـت رابـع عشـر صفـر اخـرج الخليفـة السـرادق والاعلام فلما كان صبيحة الإثنين سادس عشر صفر بعث إلى سليمان فأحضر باب الحجرة وخلع عليه وتوج وسور واحلف على ما ذكر ايمانًا كثيرة وقرر بأن العراق للخليفة ولا يكون لسليمـان الا مـا فتحـه مـن بلـاد خراسـان واعطـي الفـرس والمركـب واسـرج لـه الزبزب وركب في الماء وكـان الناس في السميريات يتفرجون حتى تعذرت السفن وبعث الخليفة إليه عشرين ألف دينار ومائتـي كـر وخلـع علـى الامـراء الذيـن معـه ثـم رحـل وضرب في النهروان وتبعه العساكر وبعث إلى الخليفة: ما ارحل حتى اراك فيقوى قلبي فخرج الخليفة في غرة ربيع الأول فرحل معه منازل وفي ربيع الآخرة خلي سبيل أبي البدر ابن الوزير من القلعة وكان بين أخذه واطلاقه ثلاث سنيـن وأربعـة أشهـر وخـرج أخـوه والموكـب فاستقبلوه وكان يومًا مشهودًا. وفي سلخ ربيع الآخر: كثر الحريق ببغداد ودام أياما فوقع بدرب فراشا ودرب الدواب ودرب اللبان وخرابة ابن جردة والظفرية والخاتونية ودار الخلافة وباب الازج وسوق السلطان وغير ذلك. وفـي رجـب: خـرج الخليفـة إلـى ناحيـة الدجيـل وكـان قـد تولـى حفره ابن جعفر صاحب الديوان ثم رجع وعاد فخرج فأبصر الانبار وسار في اسواقها ودروبها ثم رجع وعاد متصيد ًا. وجاءت الأخبار بان ملكشاه ابن اخي سليمان شاه قد انضـاف اليـه وانهـم اتصلـوا بألدكـز وتحالفوا فلما سمع بذلك محمد شاه سار اليهم وضرب معهم مصافا فانهزموا بين يديه وتشتت العسكر ووصل مـن عسكـر الخليفـة إلـى بغـداد نحـو خمسيـن فارسـًا بعـد أن كانـوا ثلاثـة آلـاف ولـم يقتـل منهم احد انما اخذت خيولهم واموالهم وتشتتوا وجاءوا عراة وجاء الخبـر أن سليمـان شـاه انفصـل عـن ألدكـز وجـاء يقصـد بغـداد علـى طريـق الموصـل وكـان عاجـزًا عـن حسـن التدبير فهان في عيـون اهـل الاطـراف فخـرج علي كوجك امير الموصل فقبض عليه ورقاه إلى القلعة في رمضان هذه السنة وبعث إلى محمد شاه يقول له قد قبضت عليه فتعال تسلمه وان اردت ان تقصد بغداد فأنا الحق بك فسار محمد شاه يقصد بغداد فوصل إلى ناحية بعقوبا وبعث إلى علي كوجك فتأخر عنه وانزعجت بغداد واحضرت العساكر وخرج الوزير يستعرض العسكر وذلك في مستهل ذي الحجة فلما اقبل محمد شاه إلى بغداد اضطربت عساكر العراق على الخليفة فعصى بدر بن المظفر صاحب البطيحة وارغش صاحب البصرة. وفي رجب هذه السنة: اخرج الوزير شرف الدين الزينبي من داره وقلع من قبره فحمل إلى الحربيـة فـي المـاء ليـلا بعـد أن احضـر الوعـاظ فتكلمـوا قبل قلعه من داره من أول الليل وعبرت معه الاضراء الكثيرة والخلق الكثير واتفق أن رجلا يقال له أبو بكر الموصلي قص ظفره فحاف عليه فخبثت يده ومات. رشيد الخادم كان صاحب أصبهان توفي في هذه السنة سلمان بن مسعود بن الحسين بن حامد أبو محمد القصاب الشحام ولد سنة سبع وسبعين وسمع ثابتًا وابن الطيوري ويحيى بـن منـده وغيرهـم وكـان سماعـه صحيحـًا وكـان مـن أهـل السنـة قرأت عليه كثيرًا من حديثه وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب. علي بن الحسين أبو الحسن الغزنوي قدم بغداد في سنة ست عشرة فسمع الحديث على مشايخنا وكان يعظ وكان مليح الايراد لطيـف الحركـات فأمـرت خاتـون زوجـة المستظهـر فبنـي له رباط بباب الازج ووقفت عليه الوقوف وصـار لـه جاه عظيم تميل الأعاجم اليه وكان السلطان يأتيه فيزوره وكثر زبون مجلسه بأسباب منهـا طلـب جاهـه وكثـرة المحتشميـن عنـده والقـراء واستعبد كثيرًا من العلماء والفقراء بنواله وعطائه وكان محفوظه قليلًا فكان يردد ما يحفظه. وحدثني جماعة من الفقراء انه كان يعين لهم ما يقرأون بين يديه ويتحفط الكلام عليه. سمعته يومـًا يقـول فـي مجلـس وعظـه: الحكمـة فـي المعـراج لرسـول اللـه صلـى الله عليه وسلم انه رأى ما في الجنـة والنـار ليكـون يـوم القيامة على سكون لا انزعاج فيه فلا يزعجه ما يرى لتقدم الرؤية ولهذا المعنى قلبت العصا حية يوم التكليم لئلا ينزعج موسى عند القائها بين يدي فرعون وسمعته يقول: حزمة حزن خير من أعدال أعمال. وأنشدنا: وكـم اردت رشده ** فمـا نشـا كما أشا وأنشدنا: يحسدني قومي على صنعتي ** لأنني في صنعتي فارس سهـرت فـي ليلـي واستنعسـوا ** هل يستوي الساهـر والناعـس وكـان يميـل إلـى التشيـع ويـدل بمحبـة الأعاجـم فـلا يعظـم بيـت الخلافـة كمـا ينبغـي فسمعتـه يقـول تتولانا وتغفل عنا وأنشد: فما تصنع بالسيف ** اذا لم تك قتالا فغير حليه السيف ** وضعه لك خلخالا ثـم قـال: تولـي اليهـود فيسبـون نبيـك يوم السبت ويجلسون عن يمينك يوم الاحد وصاح: اللهم هل بلغت فكانت هذه الاشياء تبلغ فتثبت في القلوب حتى انه منع من الوعظ فقدم السلطان مسعـود فاستدعـاه فجلـس بجامـع السلطـان فحدثني ابن البغداي الفقيه انه لما جلس يومئذ حضر السلطـان فقـال لـه يـا سلطـان العالـم محمـد بـن عبـد اللـه أمرني ان اجلس ومحمد أبو عبد الله منعني أن أجلس يعني المقتفـي وكـان اذا نبـغ واعـظ سعـى فـي قطـع مجلسـه ولمـا مـال النـاس إلـى ابـن العبـادي قل زبونه فكان يبالغ في ذمه فقام بعض اذكياء بغداد في مجلس العبادي فأنشده: مذ ظهرت حجتـه فـي الـورى ** قام بها البرهان في الناس وأراد ابن الغزنوي قد قام للناس لأنه كان يلقب بالبرهان وهذا من عجيب ذكاء البغدادييـن فلما مات السلطان مسعود تتبع الغزنوي واذل لما كان تقدم من انبساطه وكان معه قرية اصلها للمارستان فأخذت وطولب بنمائها بين يدي الحاكم وحبس ثم سئل فيه فاطلق ومنـع مـن الوعـظ وحدثنـي عبد الله بن نصر البيع قال اخذت من الغزنوي القرية التي كانت وقفت عليه فاستدعانـي وسألنـي أن أقـول لابـن طلحـة صاحـب المخـزن ان يسأل فيه وقال: هذه القرية اشترتها خاتـون مـن الخليفـة والـذي وقـع عليـه الشهادة صاحب المخزن فهو اعرف الخلق بالحال قال فجئت فأخبرتـه فقـال انـا رجـل منقطـع عـن الاشغال وكان قد تزهد وترك العمل فعدت إليه فأخبرته فقال لا بـد مـن انعامـه فـي هـذا فكتـب صاحـب المخـزن إلـى المقتفـي هـذا رجل قد اوى إلى بلدكم وهو منسوب إلى العلم فقال المقتفي أولا يرضى أن يحقن دمه وما زال الغزنوي يلقى الذل بعد العز الوافـي فحدثنـي أبـو بكـر بـن الحصري قال سمعته يقول: من الناس من الموت أحب إليه من الحياة وعنى نفسه وكان لا يحتمل الذل فمرض فحكى الطبيب الداخل عليه أنه قد ألقى كبده وكان مرضـه فـي محـرم هـذه السنـة فبلغنـي أنـه كـان يعـرق فـي مرضـه ويفيـق فيقـول: رضا وتسليم. وتوفي ليلـة الخميس سابع عشرين المحرم وصلي عليه في رباطه ودفن بمقبرة الخيزران إلى جانب أبي المظفر بن حماد بن أبي الخير صاحب البطيحة فتـك بـه يعيـش بـن فضل بن أبي الخير من أصاغرهم في الحمام ومعه اثنان من اهله وولى ابنه مكانه. يحيى بن عبد الباقي أبو بكر الغزال سَمِعَ وسُمِعَ وتوفي في شوال هذه السنة ودفن في مقبرة يقال لها العطافية وقف ابن عطاف التاجر وهو أول من دفن فيها. فمن الحوادث فيها أنـه لمـا قـرب محمد شاه من بغداد وكان قد طلب ان يخطب له فلم يقبل عرض الخليفه العسكر وبعث إلى الامراء فأقبل خطلبرس من واسط وعصى ارغش صاحب البصرة وأخذ واسط ورحل مهلهل إلى الحلة فأخذها بنو عوف وضرب الخليفة سرادقه تحت دار يرنقش ثم نزعه وجمـع جميـع السفـن التـي ببغـداد تحـت التـاج ونـودي فـي سـادس عشـر المحرم أن لا يقيم أحد بالجانب الغربي فأجفل الناس وأهل السواد ونقلت أموال الناس إلى دار الخلافة وعبر محمد شاه فوق حربـي ونهـب أوانـا واتصل به علي كوجك واتفقا وضرب محمد شاه بالرملة فقطع الجسر وجيء بـه إلـى تحـت التـاج ولبـس النـاس السلـاح فأخـرج الخليفـة سبعـة ألاف جوشن ففرقها ونصبت المجانيق والعرادات وأقام أربعين شقاقا يعملون الخشب لعمل التراس والمجانيق والعرادات فكانت مائتين وسبعين دراعة ومنجنيق في كل دراعة أربعون رجلًا وكان يخرج كل يوم من الخزانة أكثر من مائة كر. وأذن للوعـاظ فـي الجلـوس بعـد منعهـم مـن ذلـك مـدة سنـة وخمسـة أشهـر وكـان ذلك في ليلة السبت ثامن عشر المحرم فلما كان يوم الإثنين ركب عسكر محمد شاه وعلي كوجك وجاءوا في نحو ثلاثيـن ألف مجفجف فوقفوا عند الرقة ورموا بالنشاب إلى ناحية التاج وصعد الناس إليهم من السفن وكان صلاح الدين رجل من أصحاب السلطان قد بنى خانًا عنـد الرقـة أنفـق عليـه ألـوف دنانيـر وجعلـه للسابلـة فكـان هـؤلاء القـوم يعتصمون به وبحائط الرقة فأمر أمير المؤمنين بنقض ذلـك وكـان أميـر المؤمنين أمر صبيان بغداد يعبرون إليهم بالمقاليع وزراقات النار فيردون العسكر الكثير ويتلقون النشاب بميازر صوف وكان القتال تحت قمرية وقصر عيسى وضرب الصبيان يومـًا أميـرًا منهـم بقـارورة نفـط فرمـت بـه الفـرس فقتلوه وقعد القوم له في العزاء ونهب عسكر القوم بالجانـب الغربـي وأخرجـوا مائتيـن وسبعيـن دولابـًا وركـب يـوم الإثنيـن عسكـر الخليفـة ومضـوا بكـرة إلـى ناحية الدار المعزية ومعهم العرادات وأقواس الجرح يقاتلون والنشاب يقع عليهم مثل المطر. فلمـا كـان يـوم السبـت ثالـث صفـر جـاء عسكـر الأعـداء فـي جمـع عظيـم فانتشـروا على دجلة وخرج عسكر الخليفة في السفن واتصلت الحملات وانقطعت صلاة الجمعة من الجانب الغربي ووصلت الأخبار بمجيء سفن إليهم من الحلة وأنهم قد أداروها إلى الصراة وجاءتهم سفن من واسط فأقامت في المدئن ووصل لهم من الموصل كلك عليه دقيق وسكر وعسل وسمن ونعل للخيل وغير ذلك فأخذه أصحاب الخليفة فركبوا بأجمعهم وانتشروا من الرملة إلى تحت الرقة وضربوا الدبادب والبوقات وكانت الريح شديدة تمنع السفن أن تصعد فرمى صبيان بغداد نفوسهم في الماء وسبحوا فصعد منهم نحو خمسين بأيديهـم السيـوف والمقاليـع والنشـاب وسكنـت الريـح فركبت المقاتلة في السفن تمنع من الصبيان وكان يومًا مشهودًا. وفـي يوم الجمعة سادس عشر صفر: وصلت سفن القوم إلى الدور فخرجت سفن أهل بغداد فمنعتهـا مـن الإصعـاد وجـرى قتال عظيم ووقع النفير ببغداد ولم يصل الجمعة إلا قليل ونودي من الديوان بحمل السلاح فلبس العوام والتجار والرؤساء ثياب الحرب وكان المحتسب كل يوم يجوز والسلاح بين يديه وعلم الحاج بالحال. فجاء الخبر أن الحاج بالحلة على حملة السلامة والعافية وإن أمير الحاج قيماز أخذ امرأة الوزير ابن هبيرة فكانت مع الحاج فدخل البرية مع بني خفاجة وجاء الحاج فعبروا إلى بغداد. فلما كان يوم الإثنين سادس عشر صفر وصل ركابي من همذان يخبر بدخول ملكشاه شاه همـذان وكبـس بيـوت المخالفيـن ونهبهـا فخلـع علـى الركابـي وضربـت بيـن يديه الدبادب وجاء رسول آخر فأخبره بذلك فلما كانت عشية الجمعة سلخ صفر عبر منهم في السفن نحو ألف فارس فقصدوا تحت الزاهر ليدخلوا دار السلطان فنزل منكو برس الشحنة وأصحابه فضرب عليهم فقتـل منهـم جماعـة ورمـى الباقون أنفسهم في الماء واتصل القتال عند عقد السلطان ودار العميد فـي دجلـة وغيـر ذلـك مـن الأماكن وخرج بعض الأيام إلى الأتراك من الخزانة خمسة وعشرون ألف نشابة ومائتان وستون كرا وكـان جميـع ذلـك مـن خزانـة الخليفـة ولـم يكلـف أحـدًا شيئـًا ولا استقـرض مـن ذوي المـال. وحكـى زجاج الخاص أنه عمل في هذه النوبة ثمانية عشرألف قارورة للنفـط سـوى مـا كـان عندهـم مـن بقايـا نوبـة تكريـت وفي يوم الأربعاء خامس ربيع الأول فتح باب السور مما يلي سوق السلطان وباب الظفرية وخرجت الخيالة والرجالة وخرج منكوبرس وقيماز السلطاني ووقع القتال فحملوا اثنتي عشرة مرة ونصب الأعـداء عـرادة علـى دار السلاركـرد فرماهـا المنجنيـق الـذي تحـت دار الشحنـة فكسرهـا وتعـذر علـى أهل بغداد الشوك والتبن والعلف فبيـع الشـوك كـل باقـة بحبـة ورأس غنـم بسبعـة دنانير وسد الخليفة الجسر فبقي منه زورقان وكان يحفظ. فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشرربيع الأول وصل الخبر بأنهم قد عبروا الرحل والحمال من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي ووصل قوم من طريق خراسان وأخبروا بأن الشحنة الذي عندهم جاء إليهم مهزومًا وأخبر بأن عسكرًا من طريق همذان يخبر بأن ملكشاه وصل إلى همذان وصحبته ابن امرأة ألدكز. فلما كان يوم الخميس العشرين من ربيع الأول جاءوا بالسلاليم التي عملوها وكانت أربعمائة سلم طوال ليضعوها على السور فلم يقدروا فلما كان يرم الجمعة حادي عشرين ربيع الأول لم يجر إِلا قتال يسير وهذه الجمعة هي الجمعة الثالثـهَ مـن الجمـع التـي لـم يصـل فيهـا الجمعـة ببغداد غير جامع القصر وعطل باقي الجوامع واحتوى العسكـر علـى الجانبيـن ووصـل رسـول مـن ألدكـز يخبـر بدخـول ملكشـاه همذان فأخذ نساء المخالفين وأولادهـم فخلـع عليـه ونفـذ علـي كوجـك جماعـة فوقفـوا علـى قمريـة يصيحـون إلـى منكوبـرس الشحنة وقيـل: أن نـور الديـن بـن زنكـي بعـث إلـى علـي كوجـك وقـال لـه: نمضـي وترمـي نفسـك بيـن يدي أمير المؤمنين حتى يرضى ووصلت في هذا اليوم امرأة سليمان شاه بنت خوارزم شاه وكانت قد اصطلحت بين ملكشاه وبين الأمراء جميعهم في همذان وجاءت على التجريد في زي الحاج الصوفية إلـى الموصـل وعليهـا مرقعـة وفـي رجليهـا طرسـوس ومعهـا ركابـي فـي زي المكديـن ثـم جـاءت حتى صارت في عسكر محمد شاه وكوجـك ثـم جـاءت ليلـة السبـت فوقفـت تحـت الرقـة وصاحت بملاح وقالت له صح لي بقائد من قواد أمير المؤمنين يعبر فعرفته الوزير فنفذ إليها حاجبًا فعرفته نفسها فعبر بها فدخلت على الوزير فقام لها قيامًا تامًا وعرف الخليفة وصولها فأفرد لها دارًا حسنة وحمل إليها مايصلح وأحضرت الركابي فأخرج الكتب وفيها أن ملكشاه دخل همذان ونقض الكشك وكبس بيوت المخالفين ونقض دورهم وفـي يـوم الإثنيـن رابـع عشريـن ربيـع الـأول: فقـد مـن حبـس الجرائـم خمسـة مـن الكبـار منهـم ابـن سمكة ومقتص الخادم فتصبحوا في مفتـح بـاب النوبـي فوجدوهـم فـي الـدروب وأبـواب المساجـد فأخذوهم. فلما كان يوم الثلاثاء خامس عشرين الشهر نادى الحراس في الحروب والأسواق من أراد الجهاد فليلبس السلاح ويقصد السور فخرج الخلق وجاء العدو ومعهم السلاليم والمعاول والزبل لسد الخنـدق وخـرج النـاس واقتتلـوا فلمـا كـان يـوم الخميـس سابـع عشرين ربيع الأول نادوا في عسكرهم لا يتأخـرن أحـد عـن الحـرب وعبـر العسكـر الـذي بالجانـب الغربـي وجـاءوا بأجمعهم وافترقوا فبعضهم فـي عقـد الظفريـة وبعضهـم فـي عقـد سـوق السلطـان وفتحـت الأبـواب ووقع القتال إلى المغرب فلما كـان يـوم السبـت تاسـع عشرين هذا الشهر نادوا اليوم يوم الحرب العظيم فلا يتأخرن أحد فخرج النـاس فلـم يجـر قتـال وكـان المنجمـون قد حكموا فيه بأمرعظيم يلحق الناس من القتل وغيره فبان كذبهم فلم يجر شيء وجـاء تركي فكلم بعض أتراك الخليفة فقال له صاحب الخليفة نحن على انتظاركم فاليوم الوعد فما حبسكم فقال له: قد عولوا على عمل غرائر وازقاق قد عملوا بعضها وحشوها حصى ورمـلًا ليسـدوا الخنـدق وعملـوا سلاليـم طـوالًا عراضـًا فقال له التركي: قد فتحنا لكم الأبواب لما علمنـا بمجيئكـم وإن أعوزكـم سلاليـم أعرناكم ثم إذا فتحت الأبواب فقد استغنيتم عن السلاليم فقـال قـد عولـوا علـى يـوم الأربعـاء فقال له هل وصلكم خبر همذان قال نعم فكيف قلوبكم قال ما هي طيبة قلوبنا إلى أهلنا وكوجك خائف فما يعبر إلينا وقد تحيروا واختلفوا ثم ودعه وانصرف وجاء من أصحابهم قوم فاستأمنوا فسئلوا عن حالهم فقال: قد رحل كثيرمنهم كل قوم إلى جهة وكان الضعفاء يعبرون فيجلبون علفًا وحطبًا فيبيعونه ويعيشون بثمنه وربما حشوا فيه اللحم والتفاح والخضرة ففطنوا بهم فمنعوهم. وفـي ليلـة الجمعـة سـادس ربيـع الأخـر: قبـض علـى اليـزدي الفقيه وحبس في حبس الجرائم وسببه أنـه عـزم علـى الانتقـال إلـى ذلـك العسكـر فكتـب إليهـم كتابـًا وقال إذا قرأتم كتابي فخرقوه وبعثه مع فقيـه فحملـه إلـى الوزيـر فأحضـره فأقـر وقال الحاجة حملتني على هذا فحبس وأخذ منه السجل الذي كان معه بالتدريس في المدرسة ثم أطلق في ربيع الآخر فلما كان يوم السبت سابع ربيع الآخر عبر الضعفاء الذين كانوا يجلبون الحطب والعلف على عادتهم فحسرهم كوجك وجمع منهم جماعة وتقدم بقطع آذانهم وخرم آنافهم ففعل بهم ذلك فعادوا ودماؤهم تسيل فجاؤا يستغيثون تحت التاج فتقدم الخليفة بمداواتهم وقسم فيهم مالًا وبعث محمد شاه إلى كوجك يقول له أنت وعدتني بأخذ بغداد فبغداد ما حصلت وخرجت من يدي همذان وأخذ مالي بها وخربت بيوت أصحابي وأنا معول على المضي فقال له متى رحلـت بغيـر بلوغ غرض كنت سبب قلع بيت السلجوقية إلى يوم القيامة ثم لا يقصدونك أيضًا ولكـن إصبـر حتـى نمـد الجسـر ونعبـر ونجمـع موضعـًا واحـدًا ونرمـي هـذه الغرائر في الخندق وننصب السلاليم ونحمل حملة واحدة فنأخذ البلد ثم ما زالوا يتسللون وضاقت بهم الميرة وهلك منهم خلق كثير وبعثوا ابن الخجندي فوقف عند قمرية وقال: ابعثوا إلينا يوسف الدمشقي فجاء يوسف فقال: ما لكم عندنا جواب قبل اليوم إلا السيف فكيف اليوم وقد قتلتم وأحرقتم وأفسدتم ثم استأمن خلق كثير منهم فأخبروا أن القوم على الرحيل. ووصـل فـي عشيـة يوم الثلاثاء سابع عشر هذا الشهر ثلاثة من الركابية فأخبروا أن ملكشاه قد أخـذ أربعـة آلـاف بختيـة نفـذ بهـا محمـد شـاه إلى همذان وخبروا بهزيمة اينانج وبأموال كثيرة أخذت من همذان من المخالفين ودار إلى عسكر الخليفة جماعة من أمراء القوم وفرسانهم وهلك من أمرائهـم جماعـة وجـاء كتـاب مـن ملكشاه يذكر فيه أنه اجتمع بالأمراء ألدكز وجميع العساكر وبعثنا إلى إينانج فلم يحضر فقصدناه فانهزم وجاء إلينا أكثر عسكره وقد نفذنا إلى الأمراء الذين مع محمد شاه من أهل همذان نقول لهم متى تأخرتم عن الحضور إلى عشرين يومًا خربنا بيوتكم وأخذنـا أموالكـم وأولادكـم ونساءكـم وقد وصل إلينا منهم عالم عظيم وقد نفذنا أميرًا معه ثلاثة آلاف فارس إلى كرمانشاهـان ونحـن منتظـرون الأمـر الشريـف فـإن أذن لنـا فـي المصيـر إلـى بغـداد جئنـا وإن رسم لنا بالمضي إلى الموصل مضينا. وفـي يـوم الجمعـة العشريـن مـن ربيـع الآخـر: جرى قتال على قمرية وهذه الجمعة هي السابعة التي تعطلـت فيهـا جوامـع بغـداد فلـم يصـل إلا فـي جامـع القصـر وحـده وفـي ليلة السبت: خرج رجل من العيارين يقال له أبو الحسين العيار فأخذ معه جماعة من الرجالة والشطار ونزل من السـور العيارين يقال له أبو الحسين العيار فأخذ معه جماعة من الرجالة والشطار ونزل من السـور وكبس طوالع العسكر ومنهم قوم نيام وانتهبهم ووقعـت الصيحـة فانهزمـوا وعـاد الرجالـة إلـى الباب ووقع الاستشعار بين محمد شاه وكوجك فخاف كل واحد منهما من صاحبه فقال محمد قد أخـذت بلـادي وأقطعت وأنت أشرت علي بالمجيء إلى بغداد. فلما علم إنه قد تغيرت له نيته قـال لـه إن لـم أفتـح لـك البلـد فـي ثلاثـة أيـام فمـا أنـا كوجـك وأعبر يوم الإثنين وفي بكرة يوم الثلاثاء فقاتل وقد قررت مع أصحابي أن يقاتلوا قتال الموت أي شيء بغداد عندنا فاتفقا على ذلك ونصبوا الجسر وعبر أكثر العساكر وقال له تعبر أنت اليوم وأعبر أنا غدًا. فلمـا كـان يـوم الإثنيـن ثالـث عشريـن ربيـع الآخـر عبر محمد شاه وأصحابه إلى عشية وتخلف منهم ثلثمائـة غلـام فلمـا كـان العشـاء قطـع كوجـك الجسـر وقلـع الخيـم وبعـث رحله وخيمه وماله طول الليل فأصبح الناس وما بقي من خيمة شيء وضرب النار في زوارق الجسر وفيما بقي من تبن وشعيـر وحطـب وضـرب علـى خزانـة السلطـان والوزيـر ورحل وبقي محمد شاه وأصحابه بقية يوم الثلاثـاء ثـم قلـع الخيـم وذهـب هـو وعسكـره ومنـع الخليفـة عسكـره مـن أن يتبعـوه وضربـت الرجالة إلى دار السلطـان فنهبوها وكان فيها أموال كثيرة ونهبوا الأبواب والأخشاب وأخفذا الأطيار والغزلان والعسكـر يرونهـم فـإذا طردوهـم عـادوا ورأى رجـل مـن التجـار حمـلًا فيه سكر في سوق المدرسة وكان قد نهب من دار السلطان فقال: لي هذا قالوا من يشهد لك قال في وسطه مائة دينار إلا دينارًا فنظروا فإذا هو كما قال فسلموه إليه فأخذ الذهب وأعطاهم السكر ونهبت دار خاصبـك فنـودي بـرد مـا أخـذ مـن الـدار فحمـل إلـى ديـوان الأبنيـة وكـان النـاس قد تطرقوا يوم النهب إلـى محلـة أبـي حنيفـة وكـان ثـم أمـوال للتجـار وعزمـوا على السفر فآووا أموالهم إلى ثم فنهبت وأما أصحاب محمد شاه فإنهم نهبوا بعقوبا وأعمالها. وجمع الخليفة الأمراء الذين كان يستشعر منهم فخلـع عليهـم وأعطاهـم الأمـوال وقـال تمضـون إلى همذان فتكونون مع ملكشاه وخرج الناس يلعبون فـي نهـر عيسى وغيره بأنواع اللعب والمضحكات فرحًا بالسلامة وكان العظامية والقرع والصبيان الذين كانوا يقاتلون في تلك الأيام قد اتخذوا زرديات من بعر الغنم وسلاحًا مـن الفارسـي وأخرجـوا طبـلًا وبوقـًا ونصبوا خشبًا وصلبوا جماعة تحت آباطهم يلعبون ويضحكون ما كان كل سبت وخرج الناس يتفرجون ويضحكون عليهم. فلمـا كـان يـوم الخميـس رابـع عشـر جمـادى الأولـى ركـب الخليفـة فـي المـاء إلـى تحـت دار تتـر ثم ركب وسار يفتقد السور من أوله إلى آخره وعاد من دجلة يفتقده ثم عبر إلى الجانب الغربي فنظر آثار الخراب وما أحرق من الدور ثم عاد إلى منزله مسرورًا وأطلق للفقراء مالًا كثيرًا. وحـدث فـي هـذه السنة بالناس أمراض شديدة لأجل ما مر بهم من الشدائد وكثر المطر والرعد والبـرق وبـرد الزمان كأنه الشتاء والناس في أيار وفشا الموت في الصغار بالجدري وفي الكبار بالأمراض الحادة وغلت الأسعار وبيعت الدجاجة بنصـف دانـق والتبـن خمسـة أرطـال بحبـة وتعذر اللحم. فلما كان خامس عشرين جمادى الآخرة وصل الخبر بوفاة سنجر فقطعت خطبته. وفي سابع عشر رجب: خرج الخليفة فنزل بأوانا وقصد فم الدجيل وكان الحفر فيه ثم عاد وقصد نهر الملك ورحل يقصد البطائح يطلب ابن أبي الخير فهرب فعاد الخليفة إلى بغداد. وفـي شعبـان: استـأذن الخليفـة ابـن جعفـر صاحـب مخـزن الإمام المقتفي أن أجلس في داره فأذن له فكنت أعظ فيها كل جمعة وفي شعبان: خرج الخليفة إلى الصيد فأقام عشرة أيام وكانـت وقعـة عظيمـة بيـن محمـود بـن زنكي وبين الإفرنج وفتح عسكر مصر غزة واستعادوها من الإفرنج ووصل رسول محمود بتحف وهدايا ورؤس الإفرنج وسلاحهم وأتراسهم ووصـل الخبـر فـي رمضـان: بزلـازل كانـت بالشام عظيمة في رجب تهدمت منها ئلاثة عشر بلدًا ثمانيـة من بلاد الإسلام وخمسة من بلاد الكفر أما بلاد الإسلام فحلب وحماة وشيزر وكفر طاب وفامية وحمص والمعرة وتل حران وأما بلاد الإفرنج فحصن الأكراد وعرقه واللاذفية وطرابلس وأنطاكية فأما حلب فأهلك منها مائة نفس وأما حماة فهلكت جميعها إلا اليسير وأما شيزرفما سلم منها إلا امرأة وخالها وهلك جميع من فيها وأما كفرطاب فما سلم منها أحد وأما فامية فهلكت وساخت قلعتها وأما حمص فهلك منها عالم عظيم وأما المعرة فهلك بعضها وأما تل حـران فإنـه انقسـم نصفيـن وظهـر مـن وسطـه نواويـس وبيـوت كثيرة وأما حصن الأكراد وعرقة فهلكتا جميعـًا وهلكـت اللاذفيـة فسلـم منهـا نفـر ونبـع فيهـا جوبة فيها حمأة وفي وسطها صنم واقف وأما طرابلس فهلك أكثرها وأما أنطاكية فسلم بعضها. وفـي هـذه السنـة: اغتـرم الوزيـر ابن هبيرة مالًا يقارب ثلائة آلاف دينار على طبق الإفطار طول رمضـان وحضـرة الأماثـل وكـان طبقـًا جميـلًا يزيد على ما كان قبله من أطباق الوزراء وخلع على المفطرين الخلع السنية. وفي شوال قدم ابن الخجندي الفقيه والعاملي الحنفي صاحب التعليقة فتلقاهما الموكب وقبلا العتبـة وحضـرا مجلسـي فـي دار صاحـب المخـزن وقـدم أبـو الوقـت فـروى لنـا صحيـح البخاري عن الداودي فألحق الصغار بالكبار. وفيهـا: أعيـدت نقابـة الطالبيين إلى الطاهر أبي عبدالله بن عبيدالله وقد كانت جعلت في ولده أبي الغنائـم لأنـه كـان قـد مـرض مرضـًا أشـرف منـه علـى التلـف ولـم يشـك النـاس فـي هلاكـه وحدثنـي بعد أن عوفي ما يدل أن شخصًا أطعمه فعزل في حالة المرض فلما عوفي أعيد. أحمد بن عمر بن محمد بن إسماعيل أبو الليث النسفي من أهل سمرقند سمع الحديث وتفقه ووعظ وكان حسن السمت وحج وعاد إلى بغداد فأقام بها نحو ثلاثة أشهرثم ودع وخرج إلى بلده وكان ينشد وقت الوداع: يا عالم الغيـب والشهـادة مني بتوحيدك الشهاده أسأل فـي غربتـي وكربـي منـك وفـاة علـى الشهـاده فلما وصل إلى قومس خرج جماعة من أهل القلاع وقطعوا الطريق على القافلة وقتلوا مقتلة عظيمة من العلماء والمعروفين فضربوه ثلاث ضربات فمات أحمد بن بختيار بن علي بن محمد أبو العباس الماندائي الواسطي ولي القضاء بها مدة وكان فقيهًا فاضلًا له معرفة تامة بالأدب واللغة ويد باسطة في كتب السجلات والكتب الحكمية سمع أبا القاسم بن بيان وأبا علي بن نبهان وغيرهما وكان يسمع معنـا علـى شيخنا ابن ناصر وصنف كتاب القضاة وتاريخ البطائح توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة وصلي عليه في النظامية ودفن بمقبرة باب أبرز سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان أبو الحارث واسمه أحمد ولـد بسنجـار فـي بلـاد الجزيـرة فـي رجـب سنـة تسـع وسبعيـن وأربعمائـة حيـن توجـه أبـه ملكشـاه إلى غـزو الـروم ونشـأ ببلـاد الخـزر وسكـن خراسـان واستوطن مرو وكان قد دخل إلى بغداد مع أخيه السلطـان محمـد علـي أمير المؤمنين المستظهر بالله فحكى هو قال لما وقفنا بين يديه ظن أني أنا السلطـان فافتتـح كلامـه معي فخدمت وقلت يا مولانا السلطان هو أشرت إلى أخي ففوض إليه السلطنـة وجعلنـي ولـي العهـد بعـده بلفظـه فلمـا توفـي السلطـان محمـد لقـب سنجـر بالسلطان واستقام أمره متراقيًا وكان أمره عاليًا وكان مهيبًا كريمًا رفيقًا بالرعية حليمًا عنهم وكانت البلاد آمنة في زمانـه فجلـس علـى سريـر الملـك إحـدى وأربعيـن سنـة وكـان قبلهـا فـي ملـك وسلطنـة نحـوًا مـن عشريـن سنـة ولـم يملـك أحـد مـن الخلفـاء والسلاطيـن هـذه المدة فإنها تقارب الستين سنة وخطب له على أكثـر منابـر الإسلـام وروى الحديـث عـن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلم ولحقه طرش واتفق أنه حارب الغز فأسروه ثم تخلص بعد مدة وجمع إليه أصحابه بمرو وكاد يعود إليه ملكه. فتوفـي يـوم الإثنيـن وقـت العصـر الرابـع والعشريـن مـن ربيـع الـأول مـن هذه السنة ودفن في قبة بناها لنفسـه وسماهـا دار الآخـرة ولمـا بلـغ خبر موته إلى بغداد قطعت خطبته ولم يجلس له في العزاء فجلست امرأة سليمان للعزاء فعزاها الخليفة وأقامها. علي بن صدقة أبو القاسم الوزير عـزل فتوفـي ذي ليلـة الجمعـة ثالـث عشريـن مـن جمـادى الأولـى مـن هـذه السنـة وصلـي عليـه في جامع القصر قبل صلاة الجمعة وقبر بمشهد باب التبن. عيسى بن أيى جعفر بن المقتفي توفي ودفن في مشهد باب أبرز وما أمكن حمله إلى التراب لأجل الفتن أبو القاسم بن المستظهر بالله وكان أصغر أولاده سنًا توفي في ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى من هذه السنة وحمل ضاحـي نهـار إلـى التـرب فـي المـاء ومضـى معـه الوزيـر إلـى مقصـورة جامـع السلطـان فصلـى بهـا الجمعة فـي الموضـع الـذي كـان يصلـي فيـه السلطـان وجلسـوا للعـزاء بـه فـي بيت النوية يومين ثم خرج توقيع فأقامهم من العزاء. محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني أبو بكر ولـد سنـة ثمـان وستيـن وأربعمائة وسمع أبا القاسم ابن البسري وأبا نصر الزينبي وطرادًا عاصمًا والتميمي وخلقًا كثيرًا وقرأت عليه كثيرًا من مسموعاته وتوفي ليلة الإثنين ثالث عشرين ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب حرب. محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت أبو بكرالخجندي سمـع آبـا علي الحداد وغيره وتقدم عند السلاطين وكانوا يصدرون عن رأيه وقدم بغداد وولي تدريس النظامية وكان مليح المناظرة قال المصنف رحمه اللـه حضـرت مناظرتـه وهـو يتكلـم بكلمـات معـدودة مثـل الـدر ووعـظ بجامـع القصر وبالنظامية وما كان يندار في الوعظ وكان مهيبًا وحوله السيوف وهو بالوزراء أشبه منه بالعلماء خرج إلى أصبهان فنزل قرية فنام في عافية فاصبح ميتًا في شوال هذه السنة وحمل إلى أصبهان. أبو الحسن بن أبي البقاء ولد سنة خمس وسبعين وسمع الحديث من ابن أيوب وابن الطيوري وابن النظر وثابت وابن السراج وغيرهم وتفقه على أبي بكر الشاشي ودرس وتوفي في محرم هذه السنـة فدفـن باللوزية.وتوفي أخوه أبو الحسين ابن الخل الشاعر في ذي القعدة من هذه السنة. محمد بن يحيى بن محمد بن بدال أبو الفضل ابن النفيس روى لنا عن أبي الحسين بن الطيوري وتوفي في هذه السنة. نصر بن نصر بن علي بن يونس أبوالمعمر العكبري الواعظ سمع من أبي القاسم ابن البسري وأبي الليث نصر بن الحارث الشاشي وأبي محمد التميمي وغيرهم وكان ظاهر الكياسة يعظ وعظ المشايخ ويتخيره الناس لعمل الأعزية ولد في سنة ستين. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وصلي عليه بالنظامية والتاجية ودفن بمقبرة باب أبرز. وكان له ولد يكنى آبا محمد نشأ على طريقته ولد سنة خمسمائة ومات سنة خمس وسبعين. أبو البركات الأنباري قرأ القرآن على جماعة وسمع الحديث على عبد الوهاب الأنماطي وغيره وقرأ النحو علـى الزبيدي وصحبه مدة وتفقه على القاضي الحراني ووعظ الناس وكان يبكي من حين صعوده على المنبـر إلـى حيـن نزولـه وتعبـد فـي زاويتـه نحـو خمسيـن سنـة وكـان ورعـًا حتـى إنـه عطـش فجـيء بماء من بعض دور الحكام فلم يشرب وكان لايفعل شيئًا إلا بنية وكان من أهل السنة الجياد رزقـه اللـه أولـادًا صالحيـن فسماهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وكان أمارًا بالمعروف ناهيًا عن المنكـر مستجـاب الدعوة له كرامات ومنامات صالحة رأى في بعضها رسول الله صلى الله عليه وسلـم وفـي بعضها أحمد بن حنبل فقال المروذي يا أبا عبدالله هذا من أصحابنا. فقال: وهل يشك فيه وكان هو وزوجته أم أولاده يصومان النهار ويقومان الليل ويحييان بين العشائين ولا يفطران إلا بعد العشاء وختما أولادهما القرآن وأقرءا خلقًا من الرجال والنساء. توفـي يـوم الإثنيـن رابـع ذي القعـدة مـن هـذه السنة فقالت زوجته: اللهم لا تحيني بعده فماتت بعد خمسة عشر يومًا وكانت صالحة. فمن الحوادث فيها أنـه فـي غـرة ربيـع الـأول ختـن ولـد الخليفـة وختـن معـه جماعـة مـن أولـاد الأمـراء وأعـدت الخلـع والتحف ولـم يبـق أحـد مـن أربـاب الدولـة إلا وحمـل مـن التحـف كثيـرًا وعمـل سماطـًا كبيـرًا للأمـراء والأتـراك فـي الصحراء مما يلي سور الظفرية. وفيها: وقع الاتفاق بين محمد شاه وأخيه ملك شاه وأمده بعسكر ففتح خوزستان ودفع عنها شملة التركماني. وفـي ربيـع الآخر: خرج أمير المؤمنين بقصد الأنبار وعبر الفرات وزار قبر الحسينى رضي الله عنه ومضـى إلـى واسـط ودخـل سوقهـا وعـاد إلـى بغـداد ولـم يخـرج هـذه النوبـة الوزيـر لأنـه كـان مريضـًا وأنفـق فـي مرضـه هـذا نحـو خمسـة آلـاف دينار بعضها للأطباء بعضها للصدقة وبعضها في قضاء ديـون أهـل الحبـوس وغيرهـم وخلـع علـى ابـن التلميـذ لمـا عوفـي ثيابـًا كثيـرة وأعطـاه دنانيـر وبغلة وبعث إليـه الخليفـة يتعـرف أخبـاره ويستوحـش فخـرج فانحـدر إلـى المدائـن لتلقـي الخليفـة وعـاد معه ثم خرج الخليفـة فـي رجـب وأحضـر قويـدان وخلـع عليـه وأضـاف إليـه عسكـرًا كثيـرًا ونفـذ بـه إلـى بلاد البقش وأقطعه البلاد والقلاع ثم وصل الخبر بأن قويدان قد إنضاف إلى سنقر الهمذاني واتفق معه فبعث الخليفة مملوكًا يقال له قيماز العمادي في جماعة يطلبونهما فهربا ثم انضافا إلى ملكشاه فأدركهم الجوع والوفر فهلـك أكثرهـم ثـم خـرج الخليفـة فـي شعبـان فبـات فـي داره بالحريـم الطاهـري ثـم سـار إلـى دجيـل فأقـام بهـا أيامـًا ثـم عـاد إلـى بغـداد وخـرج يـوم العيـد الموكـب بتجمـل وزي لم ير مثله من الخيل والتجافيف والأعلام وكثرة الجند والأمراء. وفي يوم الجمعة العشرين من شوال: وقع ببغداد مطر كان فيه برد مثل البيض وأكبر على صورمختلفة وفيه برد مضرس ودام ساعة وكسر أشياء كثيرة وفيها: غرق رجل بنتًا له صغيرة فأخذ وحبس. قـال المصنـف: وحججـت فـي هـذه السنـة فتكلمـت فـي الحـرم نوبتين فلما دخلنا المدينة وزرنا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لنا: إن العرب قد قعدوا على الطريق يرصدون الحاج فحملنا الدليل على طريق خيبر فرأيت فيها العجائب من الجبال وغيرها. ذكرمن توفي في هذه السنة من الأكابر أبو اسحاق بن المستظهر أخو المقتفي لأمر الله توفـي فـي نصـف محـرم وحمـل إلى الترب بالرصافة ومضى معه الوزير وأرباب الدولة واغتم عليه المقتفـي غمـًا كثيرًا وجلسوا للعزاء به في بيت النوبة يومين وخرج التوقيع بإقامتهم من العزاء ثم ماتت بعد يومين أمه وهي جهة من جهات المستظهر وحملت إلى الترب ومضى معها الموكب سوى الوزير ودفنت عنده في التربة الجديدة التي انشأها المقتفي. عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصفهاني أبومسعود الحافظ كان واحد بلدته حفظًا وعلمًا ونفعًا وصحة عقيدة وتوفي بها في شعبان هذه السنة. عبد الأول بن عيسى أبو الوقت أبو عبد الله السجزي عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق أبو الوقت أبو عبد الله السجزي الأصل الهروي المنشأ ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وسمع أبا الحسن الداوودي وأبا إسماعيل الأنصـاري وأبـا عاصم الفضيلي وغيرهم حمله أبوه على عاتقه من هراة إلى فوسنج فسمعه صحيح البخاري ومسنـد الدارمـي والمنتخـب مـن مسنـد عبـد بن حميد وحدثه عبدالله الأنصاري مدة وسافر إلى العراق وخوزستان والبصرة وقدم علينا بغداد فروى لنا هذه المذكورات وكان صبورًا على القـراءة وكان شيخنا صالحًا على سمت السلف كثير الذكر والتعبد والتهجد والبكاء وعزم في هـذه السنـة علـى الحـج فهيـأ مـا يحتـاج إليه فمات. وحدثني أبوعبداللّه محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال أسندته إلي فمات فكان آخر كلمة قالها: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ومات. نصر بن منصور أبو القاسم الحراني نصـر بـن منصـور بـن الحسـن بـن أحمـد بـن عبـد الخالق العطار أبو القاسم الحراني: ولد بحران سنة أربع وثمانين فأوسـع اللـه لـه فـي المـال وكـان يكثـر فعـل الخيـر ويتتبـع الفقـراء ويمشـي بنفسـه إليهـم ويكسـو العـراة ويفـك الأسـراء كـل ذلـك مـن زكـاة مالـه وكـان كثيـر التلاوة للقرآن محافظً على الجماعة وحدثني أبـو محمـد العكبـري قـال رأيـت رسـول اللـه فـي المنام فقلت: يا رسول الله أمسح بيدك عيني فإنها تؤلمني فقال إذهب إلى نصر ابن العطار يمسح عينك قال فقلت في نفسي أترك رسول الله وأمضي إلى رجل من أبناء الدنيا فعاودته القول يا رسول الله امسح عيني بيدك فقال لي أما سمعت الحديث إن الصدقة لتقع في يد الله وهذا نصر قد صافحته يد الحق فامض إليه قال فانتبهت فقصدته فلما رآني قام يتلقاني حافيًا فقال الذي رأيته في المنام قد تقدم في حقك يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد أبو الفضل الحصكفي ولد بطنزة بعد الستين وأربعممائة وهي بلدة من الجزيرة من ديار بكر ونشأ بحصن كيفا وانتقل إلـى ميافارقيـن وهـو إمـام فاضـل فـي علـوم شتـى وكـان يفتـي ويقـول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب إلى الغلو في التشيع. ورد بغداد وقرأ شيئًا من مقاماته وشعره على أبي زكريا التبريزي فكتب التبريزي على كتابه قرأ على ما يدخل الأذن بلا إذن. كتب إلى أبي محمد الحسن بن سلامة يعزيه عن أبيه أبي نصر: لما نعى الناعي أبا نصـر ** سدت علي مطالع الصبر وجـرت دموع العين ساجمة ** منهلة كتتابع القطـر ولزمت قلبًا َكـاد يلفظـه ** صـدري لفرقـة ذلـك الصدر ولى فأضحى العصر في عطـل ** منـه وكان قلادة العصر حفروا لـه قبـرًا وماعلمـوا ** ما خلفوا في ذلك القبر ما أفردوا في التـرب وانصرفـوا ** إلا فريد الناس والدهر تطويـه حفرتـه فينشره ** فـي كل وقت طيب النشر تبًا لدار كلها غصص ** تأتي الوصال بنيـة الهجـر تنسى مرارتها حلاوتها ** وتكر بعد العرف بالنكـر وله: جـد ففـي جـدك الكمـال ** والهـزل مثـل اسمه هزال فما تنال المراد حتى ** يكون معكـوس ماتنـال ومن أشعاره الرقيقة: أقوت مغانيهم فأقوى الجلد ** ربعمان كل بعد سكـن فدفـد أسـأل عـن قلبـي وعـن أحبابـه ** ومنهم كل مقر يجحد وهـل تجيـب أعظـم باليـة ** وارسم خالية من ينشسد ليس بهما إلا بقايا مهجة ** وذاك إلا حجر أو وتد كأنني بين الطلـول واقـف ** أندبهن الأشعث المقلـد صاح الغراب فكما تحملوا ** مشى بها كأنه مقيد يحجل في آثارهم بعدهم ** بادي السمات أبقع وأسود رغاؤها وحدوهم ما اجتمعا ** للصب إلا ونحاه الكمد تقاسموا يوم الوداع كبدي ** فليس لي منذ تولوا كبد على الجفون رحلوا وفي الحشـا ** تقيلـوا ودمـع عينـي وردوا فأدمعي مسفوحة وكبد ** ي مقروحة وعلتـي مـا تبـرد وصبوتي دائمة ومقلتي ** دامية ونومّها مشرد تيمنـي منهـم غـزال أغيـد ** يا حبذا ذاك الغزال الأغيد حسامه مجرد وصرحه ** ممـرد وخـده مـورد وصدغـه فـوق احمرار خده ** مبلبل معقرب مجعد كانما نكهتـه وريقـه ** مسـك وخمـر والثنيـا بـرد يقعـده عنـد القيـام ردفـه ** وفي الحشـا منـه المقيـم المقعـد له قوام لقضيب بانة ** يهتز قصدًا ليس فيـه أود أيقنت لما أن حدا الحادي بهـم ** ولم أمت إن فؤادي جلمد نعم تولوا بالفؤاد والكـرى ** فأين صبري بعدهم والجلد لولا الضنا جحدت وجدي بهم ** لكن نحولي بالغرام يشهد ليس على المتلف غرم عندهم ** ولا على القاتل عمدًا قود هل أنصفوا إذ حكموا أم أسعفوا ** من تيموا أم عطفوا فاقتصدوا بل اصطفوا إذ حكموا وأتلفـوا ** من هيموا وأخلفـوا مـا وعـدوا وسائل عن حب أهل البيت هل ** أقـر إعلانـًا بـه أم أجحد هيهـات ممـزوج بلحمي ودمي ** حبهم وهو الهدى والرشد حيدرة والحسنان بعده ** ثم علي وابنـه محمـد جعفر الصادق وابن جعفر ** موسى ويتلوه علي السيد أعني الرضا ثم ابنه محمد ** ثم علي وابنه المسدد الحسـن التالـي ويتلـو تلوه ** محمـد بـن الحسـن المفتقـد فإنهـم أئمتـي وسادتـي ** وإن لحانـي معضـر وفنـدوا قوم أتى في هـل أتـى مدحهـم ** مـا شـك فـي ذلـك إلا ملحد قوم لهم فضل ومجد باذخ ** يعرفه المشـرك ثـم الملحـد قوم لهم في كـل أرض مشهـد ** لابل لهم في كـل قلـب مشهـد قوم منـى والمشعـران لهـم ** والمروتان لهم والمسجد قوم لهم مكة والأبطح وال ** خيف وجمع والبقيع الغرقد ما صدق النـاس ولا تصدقـوا ** مـا نسكوا وأفطروا وعيدوا لـولا رسـول اللـه وهـو جدهـم ** واحبـذا الوالـد ثم الولد ومصـرع الطـف ولا أذكره ** ففـي الحشـا منـه لهيـب موقـد يرى الفـرات ابـن البتـول طاميـا ** يلقـى الـردى وابـن الدعـي يـرد حسبك يا هذا وحسب من بغى ** عليهم يـوم المعـاد الصمـد يا أهل بيت المصطفى يا عدتي ** ومـن علـى حبهـم اعتمـد أنتم إلى الله غدًا وسيلتي ** وكيف أخشى وبكـم أعتضـد محمد والخلفاء بعده ** أفضـل خلق الله فيما أجد هـم أسسـوا قواعـد الديـن لنـا ** وهم بنوا أركانه وشيدوا ومن يخـن أحمـد فـي أصحابـه ** فخصمه يوم المعاد أحمـد هذا اعتقـادي فالزمـوه تفلحـوا ** هذا طريقي فاسلكـوه تهتـدوا والشافعي مذهبي مذهبه ** لأنـه فـي قولـه مؤيـد أتبعـه فـي الأصـل والفـرع معـًا ** فليتبعنـي الطالب المسترشد إني بإذن الله ناج سابـق ** إذا ونـى الظالـم والمقتصـد وله أيضًا: حنـت فأذكـت لوعتـي حنينا ** أشكو من البين وتشكـو البينـا قد عاث في أشخاصها طول السرى ** بقـدر ما عاث الفراق فينا فخلها تمشي الهوينا طالما ** أضحت تباري الريح في البرينا وكيف لا نأوي لها وهي التـي ** بها قطعنا السهل والحزونا مذ عذبت لها دموعي لم تبت ** هيما عطاشا وترى المعينا وقد تياسرت بهـن جائـرًا ** عـن الحمى فاعدل بها يمينا تحن أطلالًا عفا آياتها ** تعاقب الأيام والسنينـا يقول صحبي أترى آثارهم ** نعم ولكن لا نرى القطينا لـو لـم تجـد ربوعهم كوجدنا ** للبيـن لـم تبـل كمـا بلينا ما قدرالحي على سفك دمي ** لو لم تكن أسيافهم عيونا أكلما لاح لعيني بارق ** بكـت فأبـدت سري المصونا لا تأخذوا قلبي بذنـب مقلتـي ** وعاقبوا الخائن لا الأمينا ما استترت بالورق الورقاء كي ** تصدق لما علت الغصونا قـد وكلـت بكل باك شجوه ** تعينه إذ عم المعينا هـذا بكاها والقرين حاضر ** فكيـف مـن قـد فـارق القرينـا أقسمت ما الروض إذا ما بعثت ** أرجـاؤه الخيـري والنسرينـا مـن نشرها وثغرها ووجهها ** وقدها فاستمع اليقينـا ياخائفـًا علـي أسبـاب العدى ** أمـا عرفـت حصنـي الحصينا إني جعلت في الخطوب موئلـي ** محمـدًا والأنـزع البطينـا أحببت ياسين وطاسيـن ومـن ** يلوم في ياسين أو طاسينا سر النجـاة والمناجـاة لمـن ** أوى إلـى الفلـك وطور سينا وظن بي الأعـداء إذ مدحتهـم ** مالم أكن بمثله قمينـا يا ويحهم وما الذي يريبهم ** مني حتى رجموا الظنونا وكـم مديـح قـدروا فـي رافـد ** فلم يجنوا ذلك الجنونا وإنمـا أطلـب رفـدًا باقيًا ** يـوم يكـون غيـري المغبونـا يا تائهين في أضاليل الهوى ** وعن سبيل الرشد ناكبينا تجاهكم دار السلام فابتغوا ** في نهجها جبريلها الأمينا لجوامعـي البـاب وقولوا حطة ** تغفر لنا الذنـوب أجمعينـا سجنكمٍ سجين إن لـم تتبعـوا ** علينـا دليـل عليينـا وله أيضا: إذا قل مالي لم تجدني ضارعًا ** كثير الأسى مغرى بعض الأنامل ولا بطـرًا إن جدد الله نعمة ** ولو أن ما آوى جميع الأنام لـي توفي الحصكفي في ربيع الأول من هذه السنة بمي افارقين.
|